أصدرت دارة الملك عبدالعزيز مؤخرًا العدد الأول من السنة الخمسين (يناير 2024م) من مجلتها العلمية المحكمة (الدارة)، ويحمل العدد في طياته مجموعة من البحوث التي تتسم بالتميز والطرح العلمي المتزن في المجالات التاريخية والتراثية والوثائقية.
يأتي العدد مزيجًا متنوعًا يجمع بين عدد من المجالات العلمية المتعلقة باهتمامات الدارة، حيث تعنى المجلة بنشر البحوث والدراسات العلمية المتعلقة بتراث المملكة العربية السعودية وفكرها وتاريخها وثقافتها وآدابها بصفة خاصة، والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي بصفة عامة.
وجاء البحث الأول من العدد تحت عنوان (وزارة عبدالرحمن بن عتيق في مكة المكرمة 1103-1110هـ/1594/1601م)، تناول فيه مؤلف البحث الأستاذ الدكتور عماد بن محمد العتيقي دراسة الروايات التاريخية التي تتعلق بنشاط عبدالرحمن بن عتيق الذي تقلد الوزارة في الحجاز سنة 1103هـ(1594م) في زمن الشريف حسن بن أبي نمي. وقد اعتنى ابن عتيق في وزارته بالجانب الأمني وإفشاء العدل والبعد عن المحاباة، مما جعل أصحاب المصالح يسعون للنيل منه في تأليف الروايات التي لم تدققها كتب التاريخ، وعلى الرغم من ذلك خلدت ذكراه بتسمية أحد أبواب المسجد الحرام باسمه، وكانت له مدرسة مجاورة لذلك الباب.
أما البحث الثاني فقد تناول فيه الدكتور وائل بن يوسف العريني الأبعاد الحضارية لعرب الجزيرة العربية من خلال كتاب (ملاحظات عن البدو والوهابيين لجون بوركهارت: الجزء الثاني) في دراسة لرحلته عام 1816م باستخدام أدوات النقد الثقافي، فسعى العريني إلى تحليل رحلة جون بوركهارت بأدوات الخطاب التي تحمل وجهة النظر الأنثروبولوجية، وقد أظهرت الدراسة الأبعاد الحضارية للرحلة، كما عدَّت الشأن الديني لدى الرحالة مكونًا رئيسًا من مكونات الذات، وذلك من خلال تتبع عقيدة القبائل ومقارنتها بما كان عليه السلف الصالح، كما أبرزت الدراسة النسق الاجتماعي المتعلق بحفظ الأمن ومعاقبة المعتدين، وكذلك احترام الحرية الشخصية.
ثم ينتقل العدد إلى بحث للدكتور عبدالعزيز بن صالح الغنامي تحت عنوان (ألفاظ أمراض الإبل في المعاجم العربية القديمة بين المستعمل والمتروك في العصر الحديث)، وهي دراسة سعت إلى جمع ألفاظ أمراض الإبل التي عُني بجمعها اللغويون القدماء في معاجمهم العربية، ومقارنة دلالاتها بما يستعمله أهل الإبل في العصر الحديث، وبخاصة أهل بادية غرب المملكة العربية السعودية الذين قابلهم الباحث ونقل عنهم تلك الألفاظ؛ لكشف الاختلاف بين دلالاتها، معتمدًا على المنهج الوصفي التحليلي، الذي يتناول وصف اللفظ الذي أطلق على مرض الإبل، وتحليله دلاليًّا بالإفادة من بعض الدراسات المتخصصة التي اعتنت بتناول أمراض الإبل في تراثنا العربي.
وجاء البحث الأخير في المجلة تحت عنوان (دفع الصداق في الإسلام في ضوء البرديات والوثائق العربية)، وهو بحث من تأليف الدكتور أحمد كمال ممدوح، وقد ناقش فيه قضية تطبيق المجتمع الإسلامي لأحكام الصداق، ومدى صحة ما ذكره أحد المستشرقين من أن الأزواج المسلمين لم يكونوا يدفعون مؤخَّر الصداق لزوجاتهم قبل العصر المملوكي، وأن زوجاتهم لم يكنَّ يحصلن عليه إلا في حالتي الموت أو الطلاق؛ فاعتمدت الدراسة على مجموعة باقية من الوثائق والبرديات العربية التي سبق نشرُها، وألحق بآخر الدراسة نصٌّ يُنشر لأول مرَّة لوثيقة تتضمن إقرار إحدى الزوجات بتسلم معجّل صداقها، مؤرخ في عام 334هـ (945م)، ومحفوظ في مجموعة المتحف المصري ببرلين.
وتضمن العدد تعقيب علمي صدر عن دارة الملك عبدالعزيز بخصوص نسبة ثلاثة أبيات قديمة تبدأ بالبيت:
واهني الترف منسوع الجديلة ما ضواه الليل دون مغرزاتي