افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لحي الطريف التاريخي يعكس اهتمامه ــ يحفظه الله ــ بالعمق الحضاري للمملكة واستظهار قيمه الإنسانية والحضارية، كما أن ذلك يدلل على حرصه على تطوير الدرعية التاريخية العاصمة الأولى للدولة، الذي توّج بتأسيسه ــ رعاه الله ــ هيئة جديدة باسم هيئة تطوير بوابة الدرعية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله- الذي يعدّ مشروعا رائداً وغير مسبوق في تطوير كامل لموقع الدرعية. وكانت البداية بحي الطريف لأهميته التاريخية الذي دخل قائمة مواقع التراث العالمي باليونسكو في عام ١٤٣١هـ.
نبذة تاريخية
يعد حي الطَرِيف من أبرز الأحياء التاريخية في الجزيرة العربية، حيث شهد أحداث تأسيس الدولة السعودية في عهدها الأول، ومنه أديرت الدولة وصدرت منه قرارات تحركات توحيد الدولة، ويقع على رأس الجبل الجنوبي الغربي من بلدة الدرعية التاريخية العاصمة الأولى للدولة السعودي ويطل على كل أنحائها وأحيائها لارتفاعه، ونشأ مع حلول أواخر القرن الحادي عشر الهجري وكان محاطاً بسور محكم من الطين والحجارة طوله (12) كيلاً ـ وهذا ما قد يشف عن مساحته التقريبية آنذاك، وبسمك يصل إلى أربعة أمتار، وتنتصب عليه أبراج للمراقبة مزودة بفتحات للمراقبة والدفاع، وهو سور خاص بالحي وسط سور الدرعية الذي بناه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود بأمر من والده المؤسس، وفيه قصر(سلوى) أكبر قصور وسط الجزيرة العربية عامة في عصره، بني متعدد الطوابق، وضم القصر بوحداته العشر مقر الأسرة الحاكمة آل سعود التي تمثل قصور ومجالس ودواوين أئمة الدولة السعودية الأولى، فلم يغادروه على مدى أربعة عقود إلا بعد تدمير الدرعية كاملة وحرقها على أيدي حملة إبراهيم باشا المعتدية والغازية عام 1233هـ / 1818م. وضم الطّريف المباني الحكومية للدولة مثل (بيت المال) الذي يمثل وزارة المالية آنذاك بما في ذلك صرف الرواتب وجباية الزكاة، وكذلك الجامع الكبير(مسجد محمد بن سعود) الذي كان منارة تعليمية للعلوم الشرعية، وكذلك سبالة (سبيل) موضي بُني وفاءً لزوجة الإمام محمد بن سعود (موضي بنت أبي وهطان الكثيرية)، وهو رباط أو نُزُل لطلاب العلم وعابري السبيل من التجار والحجاج، والمسافرين عمومًا، كما شمل الحي داراً للضيافة يستقبل الزوار الرسميين للدولة من رؤساء الحكم ورجال السياسة وعلية القوم، ملحق به حمّام البخار وكلاهما كان يقع على شعيب (حبيكر) ويتزود من آباره بالمياه اللازمة.
شراكة الدارة
باتت الدارة قاسمًا مشتركًا في الأعمال الوطنية التوثيقية للمدن والقرى والمعالم والمآثر العمرانية المختلفة من المساجد والقصور والأحياء وغيرها، لكونها تمتلك باعاً طويلًا في مجال التوثيق الميداني والوثائقي، ولخبرتها التي قاربت نصف قرن، شهد نصفها الأخير نقلة نوعية لافتة في إنجازاتها، واتساعًا في مسارات أعمالها، إضافة إلى العمل بعمق إلى نقل الاهتمام بالتاريخ الوطني من الهم الخاص المحدود إلى الهم المؤسساتي المنظم، أهلَها لذلك المنهج العلمي المحكم في التوثيق والرصد، واعتماد الدقة البحثية في سبر التواريخ المختلفة .
تعميم رسمي
فعقب تعميم المقام السامي الكريم عام 1430هـ بتوجيه الجهات بما فيها الجهات الحكومية للتنسيق مع الدارة فيما يتعلق بمراجعة المعلومات التاريخية التوثيقية التي تصدرها تلك الجهات، أصبحت الدارة اليد اليمنى في الدعم المعلوماتي التاريخي لتوجهات المؤسسات والهيئات العامة والخاصة التنموية في حالات التطوير المادي لمنشآتها والمواقع التاريخية من الطرد من المشهد اليومي أو تسليمها للتدمير أو العقوق الحضاري، وكذلك تقديم الاستشارة العلمية المختصة للجميع لما يخدم هذا الهدف العام الوطني، وكذلك تقديم كل ما يمكن تقديمه من المصادر التاريخية المتاحة للنشر لوسائل الإعلام السعودية في الأيام الوطنية والمناسبات التاريخية ذات الصلة.
المراجعة التاريخية
في هذا الإطار تعاونت الدارة مع هيئة تطوير مدينة الرياض وهيئة تطوير بوابة الدرعية، وكان من أبرز التعاون بين الجانبين قيام الدارة بتوثيق تاريخ حي الطّريف بمحافظة الدرعية ومراجعة كل ما ورد عنه في المدونات عبر تاريخه، فالطريف أحد أبرز الأحياء التاريخية في الجزيرة العربية، فمنه انطلق تأسيس الدولة السعودية وإدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية فكان يضم قصور أسرة آل سعود وأئمة الدولة السعودية. ووفّرت في هذا الجانب المعلومات التاريخية عن الدرعية عموماً وعن حي الطّريف خصوصًا، ومعلومات موثقة عن الدولة السعودية في تلك المرحلة التاريخية التي شهدت تطورًا كبيرًا في مكانة العاصمة الدرعية وشخصيتها السياسية، ومركزها الاقتصادي والمالي والعلمي.
مركز خاص
ورصد مركز توثيق تاريخ الدرعية بالدرعية أحد فروع دارة الملك عبدالعزيز كل تلك المعالم بالكلمة والصورة في إطار مسح وجمع المصادر التاريخية من الصور الفوتوغرافية والخرائط المرسومة عبر تاريخ الدرعية التي رسمها زوارها من الرحّالة الغرب، والروايات الشفهية، والوصوفات المدونة في الكتب المختلفة، بل إن الدارة من أوائل المؤسسات التي التفتت مبكراً لتاريخ الدرعية سواء من خلال هذا المركز العلمي أومن خلال إصداراتها المتخصصة، فقد وثّق المركز جبالها وأوديتها وشعابها ومداخلها وطرقاتها وآبارها وأحياءها ومساجدها وغيرها من المعالم العمرانية من خلال كل تلك المصادر وكذلك بالتتبع الميداني وفي عملية مستمرة حتى اليوم.
كما قدمت الوثائق والصور والمخطوطات المتعلقة بالحي الذي نشأ مع حلول أواخر القرن الحادي عشر الهجري وبالاسم نفسه، وتم دعم ملف إدراج حي الطريف عام 1430هـ ضمن التراث العالمي الذي كان من الإنجازات المهمة على مستوى الوطن، وراجعت في النسق نفسه النصوص التاريخية المتوافرة عن الطّريف والإصدارات التوثيقية والتعريفية، وحققتها علميًّا وميدانيًّا من خلال فرعها في المحافظة مركز توثيق تاريخ الدرعية الذي سيشهد انطلاقة جديدة وواسعة بافتتاح حي الطّريف حيث مقره.
المحتوى المتحفي
وأسهمت الدارة في صياغة العناصر الأساسية للمحتوى المعرفي التاريخي لعدد من المتاحف في الطريف مثل متحف الحياة الاجتماعية، ومتحف قصر سلوى، ومتحف بيت المال، ومتحف الزراعة، ومتحف بيت العرضة السعودية، والمتحف الحربي التي ستقدم اليوم للعالم حي الطريف بصورته العمرانية المجددة، وكذلك المادة الفلمية عن الحي التاريخي للطريف الذي سيكون إضافة نشطة وفاعلة في السياحة الوطنية التاريخية وتعزيز الهوية الوطنية بربط الأجيال السعودية المختلفة بتاريخ ظهور الدولة السعودية قبل أكثر من ثلاثة قرون، وإبراز جزء مهم من التاريخ الوطني عالميا وفق الرؤية السعودية الطموحة ٢٠٣٠.