رفدت دارة الملك عبدالعزيز المكتبة التاريخية العربية بإصدارين جديدين سلطا الضوء على تاريخ تجارة القهوة (البن) قبل عصر الاستعمار، كترجمة لمجموعة من الأبحاث المتخصصة التي قدمها باحثون من مختلف الجنسيات في ندوة علمية نظمها المركز الفرنسي للبحوث الزراعية والتنمية الدولية بالتعاون مع المعهد الفرنسي للآثار الشرقية عام 1997م.
جاء الإصداران، اللذان تولى تحريرهما ميشيل توتشر، على شكل قسمين بعنوان واحد وهو "تجارة البن قبل عصر المزارع الاستعمارية: المناطق، الشبكات، المجتمعات، من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي"، حيث خصص لكل قسم كتاب مستقل. اشتمل القسم الأول على بحوث الندوة المذكورة المترجمة من اللغة الإنجليزية، فيما اشتمل القسم الثاني على البحوث المترجمة من اللغة الفرنسية من نفس الندوة، حيث قام بترجمة القسم الأول والتعليق عليه الدكتور محمد بن عبدالله الفريح، بينما قام الدكتور محمد أمين بترجمة القسم الثاني من اللغة الفرنسية، وعلق عليه الدكتور محمد بن عبدالله الفريح.
استندت أبحاث الندوة إلى مصادر وأدلة متنوعة، بما في ذلك الوثائق التاريخية والمخطوطات والسجلات القضائية والآثار المادية، مما منح الدراسات موثوقية عالية. وتميزت الأبحاث بالتحليل التاريخي العميق لتطور تجارة القهوة في مناطق مختلفة من العالم، مع الربط بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤثرة. وقد غطت تلك الأبحاث مناطق جغرافية متعددة، بما في ذلك إثيوبيا، واليمن، ومصر، وسوريا، وإنجلترا، والهند، وآسيا، مما أعطى صورة شاملة لتاريخ انتشار تجارة القهوة.
تناول محتوى الإصدارين التوأمين تاريخ تجارة القهوة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي، أي قبل عصر المزارع الاستعمارية، حيث غطت عدة أبواب تتناول مناطق مختلفة، منها: استهلاك القهوة وتحويلها إلى سلعة تجارية في إثيوبيا، وتطور فناجين القهوة الأولى في اليمن، وتجارة القهوة في ميناء الطور بجنوب سيناء، وتجارة القهوة في القاهرة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.
استعرض الإصداران انتشار القهوة في الشرق الأوسط العربي، وتجارة البن في البحر الأحمر والبحر المتوسط، وأهم تجار القهوة في مصر وغيرها، مع التطرق إلى الحديث عن أواني القهوة، ونقل القهوة من اليمن إلى مصر مع الحديث عن ميناء المخا لتصدير القهوة، وتجارة القهوة في ميناء الطور بجنوب سيناء، والضرائب التي فرضتها الدولة العثمانية على هذه التجارة. كما رصد الملامح الاجتماعية المتعلقة بشرب القهوة في الوطن العربي وغيره من المناطق، ومكانتها لدى الناس. وتطرق الإصداران كذلك إلى القهوة في أوروبا، وشبكات الإنتاج والتوزيع، وجهود الفرنسيين في مجال تجارة القهوة، والانتشار المبكر لشرب القهوة في إنجلترا.
يأتي هذان الإصداران ضمن جهود دارة الملك عبدالعزيز في نشر الدراسات والبحوث التي تدعم المكتبة التاريخية الوطنية والعربية، وتزودها بمعلومات متنوعة تسهم في تعزيز الوعي التاريخي والثقافي، لتكون مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية بشكل عام. كما تهدف هذه الإصدارات إلى إثراء المعرفة التاريخية وتوثيق الأحداث والشخصيات المؤثرة، مما يسهم في حفظ التراث المحلي والعربي والعالمي ونقله للأجيال القادمة.