خط التبلاين .. نبتت حوله عرعر وأخريات .. وانتهى بفعل ثلاثة حروب

 

 


لم تكن (صبحة) الموظفة السعودية في مستشفى عرعر المركزي لتبتسم لمراجعي قسم الأطفال التي تحتفظ بشخصيتها الحازمة الذاكرة الشفهية قبل خمسين عاما لولا أنها أدركت أن (عرعر) المدينة التي نشأت على أنقاض بلدة (بدنة) القديمة  ابتسم لها المستقبل بعد أن مر بها خط التبلاين ملوحا لها بحياة جديدة وللصحراء والإبل وعقلية المرتحلين بحثا عن الماء والكلأ في محيط وادي بدنة ووادي عرعر اللذين سبقا هذا الشريان الحديدي بمئات السنين ، إلا أن (صبحة) لابد أنها قد تركت العمل في المستشفى ولا ندري هل مازالت تشاركنا الحياة أم توفيت مثلما توفي التبلاين بسبب الحروب وتطور آليات النقل ، بعكس المستشفى الذي ما زال قائما منذ أن نشأت عرعر برحابة صدر محتفظاً بذاكرة عن سجل الأمراض والأوجاع التي عانتها المنطقة لتصل إلى ما وصلت إليه الآن من التنمية والحضارة بل وفاقت هذه النهضة نظرة(صبحة) المستقبلية مهما كانت قد بلغت.

 


 من حيفا إلى صيدا
شركة التبلاين (TAPLINE وهي تعني (شركة الأنابيب عبر البلاد العربية ) التي أنشأتها شركة أرامكو وقعت معها المملكة العربية السعودية اتفاقية ملحقة بتاريخ 29 شوال 1382هـ الموافق 24 مارس 1963م وأنجز عام 1372هـ /1952م لمد هذا الخط فوق الأرض لنقل بعض النفط السعودي وبعد أن أثبتت الدراسات جدواه الاقتصادية لارتفاع تكلفة النقل في ذلك الوقت، وذلك من حقل بقيق على الساحل الشرقي من المملكة إلى أوروبا التي للتو خرجت من الحرب العالمية الثانية وكانت بحاجة لإعادة الإعمار ومسح ذكرى الحرب المخربة ، وإلى أمريكا التي بدأت ملامح قيادتها للعالم تتبلور، فظل (16,000) عاملا ومهندسا وإداريا من السعوديين والأمريكيين وغيرهم يعملون تحت لسع حرارة الشمس وحينا تحت وابل الأمطار لتركيب هذا الشريان الذي يحمل أغلى مادة على الأرض مكتشفة ، واحتاج هذا التجمع البشري الكبير إلى خمس سنوات لإكمال التركيب بدءا من عام 1947م /1366هـ  ، وكان الخط سينتهي في ميناء مدينة حيفا الفلسطينية إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين (1947م) غيّر مساره إلى صيدا اللبنانية وبالتحديد إلى ميناء الزهراني هناك .

 


سينما حزم الجلاميد
طول  التبلاين البالغ (1664) كيلو متر منها (1300) داخل الأراضي السعودية احتاج حسب دراسات الشركة إلى محطات تقوية الضخ على مسافات متباعدة ومدروسة حتى لا تتوقف أو تضعف عملية التدفق ، فأنشأت الشركة سبع محطات هي من الشرق إلى الغرب ( القيصومة ، الشعبة ، رفحاء ، العويقلية ، عرعر (بدنة) ، حزم الجلاميد ، طريف) ويعمل على كل محطة مهندسون مختصون وعمال مساندون بنيت لهم وحدات سكنية وخدمية للإقامة والاستقرار وحماية الأنابيب ، مدعمة بأسباب الحياة المتكاملة من مراكز صحية صغيرة، ومطارات ، ومدارس محدودة لتعليم اللغة الإنجليزية ، وملاعب رياضية لكرة القدم والسلة والطائرة ، والبلياردو ، والجولف ، أسهمت في تقديم جرعات من الترفيه لسكان المدن الشمالية المار بها ثعبان الصحراء (التبلاين) فقد نشأت حول مراكز المضخات مدن حضارية أسهمت في حركة توطين البادية التي بدأها الملك عبدالعزيز  بصفتها إستراتيجية وطنية مهمة في تدعيم الدولة وإنمائها ، ومن تلك المدن "عرعر " المركز الإداري للحدود الشمالية التي اكتسبت اسمها من الوادي الذي تقع عليه، كما أنشئت سينما مسائية متاحة للعاملين في التبلاين والسكان، ومكتبة عامة ، ومطاعم غربية تقدم وجبات غريبة على أهل المنطقة على رأسها الستيك والهمبورجر والآيس كريم ، لكنها بالتأكيد كانت تعد(خفايف) مقارنة بالوجبات السائدة لدى الأهالي مثل الجميد (المنسف) والجريش والمرقوق والفتة القديمة ، إلا ان تأثيرات ما  لابد أنها لحقت بجوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية منها دخول كلمات إنجليزية في معجم الكلام اليومي في المنطقة ، وظهور وظائف بمهارات جديدة للمواطنين.

 


الدارة وتاريخ الزيت
وكانت دارة الملك عبدالعزيز قد وثقت قصة اكتشاف البترول وجهود الملك عبدالعزيز في هذا المجال والأسس الإستراتيجية  التي بناها ـ رحمه الله ـ لدور البترول في التنمية الشاملة وعلى رأسها الإنسان السعودي،إلا أن التوثيق الشامل لتاريخ الزيت في المملكة العربية السعودية ما زال في إطار التعاون بين الدارة وشركة أرامكو السعودية وفق اتفاقية موقعة بينهما ، لتقديم تاريخ شامل ودقيق ومدعم بالخرائط والوثائق والرسومات والروايات الشفهية والدراسات المصاحبة لبدايات النفط السعودي، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على الوطن والمواطن ودوره التنموي الذي بنته الدولة منذ أيامه الأولى.