في مؤتمر عربي قبل 71 عام: الجراد وباء خطير

في مؤتمر عربي عن الجراد الصحراوي قبل (71) عامًا  المملكة العربية السعودية تؤكد جاهزيتها وتدعو إلى الوحدة الدولية جاء في مؤتمر عن مكافحة الجراد الصحراوي عقد في العاصمة الأردنية قبل أكثر من (71) عامًا شاركت فيه المملكة العربية السعودية، على لسان وزارة الزراعة الأردنية في العام نفسه: «راقبت الوزارة حركات الجراد الصحراوي منذ بدايتها، ولفت نظرها بصورة خاصة ظهوره عند البحر الأحمر في الجنوب الغربي من اليمن، ثم اتجاهه شمالًا نحو (العسير)، ولمّا اتجهت أسرابه بعد ذلك نحو النفوذ أخذ القلق سايرنا وكنا نراقب أن يكون دخوله بلادنا عن طريق وادي السرحان»، وجاء أيضًا في المؤتمر: «ولقد انقطعت أخباره بعد أن اتجهت أسرابه إلى الخليج فشعرنا بشيء من الاطمئنان»، وأضافت الوزارة: «ولقد سجلت الوزارة مئة وأربعين سربًا ما بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة»، ثم قالت: «البرقيات أفادت عن أن سربًا طوله عشرون كيلو مترًا»، هذا التقرير أشبه ما يكون بتقرير عسكري حربي كتبته إدارة استخبارات ضالعة في مراقبة العدو، إلا أنه عن حشرة صغيرة لا يصل طولها إلى (10) سم، وهذا باختصار يعكس الخطر الكبير الذي يمثله الجراد على الثروة النباتية والحيوانية في العالم عامة وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة، حتى أن المؤتمر الذي عقد في شهر ربيع الأول 1373هـ /نوفمبر 1952م وبحضور مندوب المملكة العربية السعودية في المؤتمر الأستاذ عبدالعزيز الكحيمي أفاد أن  المساحة الموبوءة بالجراد في المملكة العربية السعودية بلغت مئتي ألف دونم، وهذا يدلل على أن الجراد وباء، فلم تسمه العرب جرادًا إلا لأنه يجرد الأرض فلا يترك فيها نبتًا ولا زرعًا إلا وهي جرداء، وذلك قبل أن تتطور تقنيات مكافحته في وقتنا الحاضر التي لم تقض عليه إلا أنها خفضت نسبة كبيرة من تأثيره السلبي.

وقال مندوب المملكة العربية في السعودية في المؤتمر: «ثبت ثبوتًا قاطعًا لا يقبل الشك أن كثيرًا من المواشي والحيوانات قد نفقت بالأراضي السعودية من نتيجة دواء الجراد في الحملة الماضية»، في إشارة منه إلى ضرورة مكافحتها بالمواد الكيماوية قبل وصولها مواقع الزراعة وتربية الحيوانات، وهذا ما يعكس صدور الأمر الملكي عام 1358هـ /1935م بمكافحة الجراد وضرورة تعاون المواطنين مع حملات المكافحة لتفادي خطر الكيماويات المحاربة والإخبار عن أسرابه وتنقلاتها، إضافة إلى أن الجراد يمثل وجبة دسمة على المائدة السعودية، يقول المستشرق البريطاني؛ عالم النبات الذي زار المنطقة الشرقية عام 1923م/1343ه والتقى الملك عبدالعزيز عن هذه الوجبة: «يهرس الجراد هرسًا قبل أكله»، حتى أن أحد المواطنين السعوديين في عقود سابقة عبر عن العلاقة مع  الجراد قائلًا: «يأكلنا ونأكله».

 إلا أن المؤتمر الذي شاركت فيه الأردن والمملكة العربية السعودية وتركيا وسوريا ولبنان ومصر والعراق، وبحضور السيد أو . بي . لين من منظمة التغذية الدولية، والسيد هيوويت من مركز مكافحة الجراد الصحراوي في العاصمة الكينية نيروبي دعا إلى نقطتين رئيستين هما: تبادل المعلومات بسرعة حول رحلات الجراد، وضرورة التعاون الدولي المشترك وإلا كانت الجهود ناقصة، وهذا ما دعا الحكومة السعودية إلى إنشاء مركز أبحاث الجراد في جدة عام 1964م/1384هـ بالتعاون مع منظمة التغذية الدولية التابعة للأمم المتحدة، لدراسة حياة الجراد واتخاذ أنجع الحلول لمكافحته وترقية الاقتصاد الزراعي.

وما يؤكد الخطر الفادح للجراد حتى إلى وقت قريب أن تقريرًا لوزارة الزراعة والمياه في العام  نفسه استغرب بسرور أن هذا العام لم تحدث فيه إصابات من الجراد: «كان موسم 1399/1400هـ هادئًا، حيث لم تغزُ المملكة أسراب الجراد الصحراوي المهاجرة»، إلا أنه سُجل أن هناك أعدادًا من الجراد الانفرادي منتشر في مناطق المملكة.

وحول استعدادات المملكة العربية السعودية وإمكانياتها المتوافرة لمكافحة الجراد بالتعاون مع البعثة المصرية لمكافحة الجراد جاء في المؤتمر: «إن لدى المملكة ثلاثة مخازن في مناطق عملها، و"24" سيارة، و"10 "سيارات منتظرة من منظمة التغذية الدولية، و "200" طن من النخالة، و"30" طنًّا من الأجروسيد، و"3" عفاريت ميكانيكية، و" 150" عفارة يدوية، و"3" موتورات للرش»، وأشار إلى أن هذه الأجهزة والأدوية تبلغ قيمتها في مصر والسعودية "مئة ألف" جنيه مصري.

 هذه هي البدايات في حماية الاقتصاد من الجراد والجنادب، وجهود المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز الذي كان ـــ طيب الله ثراه ـــ مهتمًّا بتحقيق عدد من أشكال الأمن المختلفة ومنها الأمن الغذائي، ولعل ما سمي "الغارة" التي قام بها الجراد الصحراوي عام 1914م / 1334هـ وأدت إلى القضاء على آلاف من أشجار النخيل ومساحات خضراء شاسعة في المملكة سرّعت بهذه المكافحة ودعم الدولة لكل أفكارها.

  ولابد أن المؤتمر الدولي الذي استضافته مدينة جدة في دورته الثانية والثلاثين طيلة الأسبوع الماضي عن مكافحة الجراد كان أمامه مهام أقل من ذي قبل بعد تطور آليات ومواد المكافحة، ووحدة الجهد الدولي في هذه الحرب الدولية ضد الجراد، لكن انعقاده ضروري ويشير إلى أن هناك خطرًا مازال قائمًا.