الشعر في الدولة السعودية.. حضور وحفاوة

 

يستطيع أي باحث في الأدب أن يلحظ بوضوح تغيّر ديباجة الشعر العربي منذ نهوض الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، مغيرًا بوصلته من القصائد الذاتية المتصلة بالغزل والمدح  والمشاعر الخاصة فقط، ليكتسب روحًا عامة، تختص بقضايا الدولة والمجتمع؛ متماهيًا في ذلك مع روح الجهاد والمثابرة والكفاح، وإعلاء كلمة التوحيد، ومدح صنيع الناهضين بشرف بسط سلطانها في ربوع المملكة، فكانت الحماسة هي العنوان الأبرز للقصائد، ووصف المعارك، ومنافحة الخصوم ومناقشتهم، بقصائد سيّارة، سواء بالفصحى أو النبطية.. ومن أبرزها قصيدة "السيف الأجرب" للإمام المؤسس تركي بن عبدالله، برمزيتها الواصفة لمعاني الفداء والتضحية، والحاضة على بذل النفس رخيصة من أجل الدولة..

وظل الشعر وفيًّا لهذه المعاني العظيمة، وقد تعاظم دوره وبرز بصورة أكبر إبان المملكة العربية السعودية، التي تميّزت بمعركة التوحيد الخالدة، على يد المغفور له بإذن الله؛ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيّب الله ثراه -، فكانت للشعر مكانته الخاصة في قلب وحياة "المؤسس"؛ فقد تربّى في كنف والدته "سارة السديري"، التي كانت تحمل مخزونًا شعريًّا ثرًّا، ظهرت آثاره وأثره في حبّ الملك الشعر، وأنسه بالأدب، وتطلعه إلى الاستزادة من هذا المعين، كما ظهر ذلك جليًّا في مجالسه التي يبرز فيها شغفه بالشعر في حله وترحاله، متغنيًا بالشعر الشعبي في بعض المناسبات، طربًا به وله.. وشاهد ذلك ما أورده المؤرخ محمد بن بليهد، بأنه كان في صحبة الملك عبدالعزيز، ونزلوا على بئر في وادي برك..

يقول: فعرض علينا الملك، وقال: غنوا يا أهل شقرا..
فتجاذبنا الأصوات بأبيات منها:
حنا رجعنا من الأفلاج
كل اللوازم قضيناها
والهجن فوق الخريزة داج
ضامي وعطن على ماها

كما كان – رحمه الله- مدركًا لمعاني الشعر، وتقويم بعضها، تشهد له المواقف بذلك، ومنها أنه حين رأى على باب قصر الحكم بيتًا معروفًا من الشعر؛ وفيه:
لسنا وإن أحسابنا كرمت
يومًا على الأحساب نتكلُّ
فقيل للملك: هذا مبدأ شریف یا مولاي، لكن البيت الثاني:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل مثل ما فعلوا
فقال الملك لمن معه: نحن نبني كما كانت أوائلنا تبني، ونفعل - إن شاء الله - فوق ما فعلوا، وكأن الملك عبدالعزيز يشير بذلك إلى أن القراءة السليمة لعجز البيت في تقديره هي (نبني ونفعل فوق ما فعلوا)..
هكذا كان للشعر حضوره، وما يزال؛ متقد الجذوة، محظيًا بالحفاوة، ويكفي أن قيادتنا الرشيدة في هذا العهد الزاهر، قد أطلقت على هذا العام 2023م عام الشعر العربي، ونهضت وزارة الثقافة لهذه الرسالة الخالدة مستهدفة "إحياءِ تاريخ الشعر العربي العريق وتعزيزِ حضورِهِ في الحضارة الإنسانية وإرساءِ قواعد ثراءه المستقبلي وإحلاله مكانته المستحقة بين آداب العالم وفنونه"..