صدر عن دارة الملك عبدالعزيز مؤخرًا عدد خاص عن المخطوطات، وهو العدد الثالث من السنة (48) لمجلة (الدارة) الفصلية المحكَّمة، والتي تسعى في رؤيتها إلى تحقيق الريادة في النشر العلمي المتميز في المحتوى والتأثير والمرجعية في مجالات تاريخ المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية وجغرافيتها وآدابها.
وقد خصصت مجلة (الدارة) هذا العدد عن المخطوطات بمناسبة اختيار معهد المخطوطات العربية بالقاهرة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - ألكسو (إحدى منظمات جامعة الدول العربية) مؤخرًا لدارة الملك عبدالعزيز مؤسسة العام التراثية بالعالم العربي.
وقد ضم هذا العدد الخاص سبعة بحوث علمية، وثلاثة تقارير، تطرقت إلى موضوع المخطوطات المحلية، حيث بدأ العدد ببحث تحت عنوان (عناية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالمخطوطات)، للدكتور حمد بن عبدالله العنقري من قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الملك سعود، حيث مهد في الدراسة بسياق نبذة عن سيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الشخصية، ومسيرته العملية، والتنويه بالإنجازات التنموية اللافتة التي شهدتها المملكة العربية السعودية في عهده في مختلف المجالات، محاولاً في دراسته إبراز عناية الملك سلمان بالمخطوطات، وبيان اهتمامه بالكتب والمخطوطات، اقتناءً، ودعمًا، وتوجيهًا، وحمايةً، وترميمًا، وطباعةً، وإهداءً، على المستويين الشخصي والمؤسسي، ومن ذلك عنايته بمكتبة الملك فهد الوطنية إبان ترؤسه مجلس أمنائها وإشرافه عليها، ودوره في انتقال مخطوطات عددٍ من الجهات الحكومية إليها، ودوره في إصدار نظام حماية التراث المخطوط في المملكة، وتوليه لرئاسة مجلس دارة الملك عبدالعزيز، وعنايته بالمخطوطات فيها على نحو خاص، مع سياق جملة من المشروعات الرائدة والمعارض والفعاليات العلمية التي أقامتها الدارة.
تلا ذلك بحث للدكتور عثمان بن عبدالعزيز العسكر بعنوان (الشيخ المؤرخ محمد بن عمر الفاخري وكتابه مختصر كتاب حياة الحيوان: دراسة وصفية)، حيث عرفت الدراسة بالشيخ المؤرخ محمد بن عمر الفاخري، صاحب الكتاب المشهور (تاريخ الفاخري)، وهو من أشهر رجال بيت الفاخري أحد البيوت العلمية في سدير من وسط الجزيرة العربية، فتطرقت الدراسة إلى نسبه ونشأته، ثم التعريف بتاريخه المشهور، وسياق طرف من عنايته بالشعر وبعض أشعاره، وذكر أبنائه، وتنتقل الدراسة للتعريف بمختصره لكتاب الحيوان للدميري، وبأصله، وبنسخة المختصر الخطية، وسبب تأليفه وأهم خصائصه، ومنهجه في الاختصار الذي تميز بحسن الانتقاء، وطريقته التي تميزت بالإيجاز اللفظي والإجمال المعنوي دون ابتسار
للمضمون.
ينتقل العدد بالقارئ إلى بحث للدكتور محمد بن عبدالله السريع (كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم) عن تجربة مع مخطوطة فريدة في المكتبة البساطية، متناولاً سرد تجربة شخصية للباحث مع نسخة خطية محفوظة في مكتبة البساطي الخاصة بالمدينة المنورة، وهي بعنوان (جمع أحاديث الغيلانيات والخلعيـات وفوائد تمام وأفراد الدارقطني)، من تأليف الحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى سنة ٨٠٧هـ، بدءًا من دخول الباحث المكتبة لتصوير النسخة الخطية، ووصولاً إلى تقديم فكرة مبنية على تلك النسخة للحصول على شهادة الدكتوراه، ثم وصف ملخص للنسخة، وبيان نفاستها، وأنها بخط الحافظ السخاوي المتوفى سنة ۹۰۲ هـ، وذكر المعوقات التي اعترضت سبيل الباحث جرّاء سوء الترميم، وخياطة الأوراق، والتجليد، ما تسبب في خفاء بعض الكلمات والخلل في ترتيب الصفحات، وفي أثناء ذلك تنويه بجهود القائمين على المكتبة ودارة الملك عبد العزيز في تذليل تلك الصعاب التي واجهها الباحث.
وتتواصل بحوث العدد بعنوان (الشيخ محمد بن ناصر آل شبانة ١٠٨٠ - ١١٦٥هـ / ١٦٦٩ - ١٧٥٢م تقريبًا و مجموعه الفقهي)، من تأليف الأستاذ عبدالله بن بسام البسيمي، والذي تناول في بحثه أحد علماء وسط الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، وهو الشيخ محمد بن ناصر بن حمّاد بن شبانة الوهيبي الحنظلي التميمي محاولاً جمع ترجمته من المصادر المتفرقة، فساق نسبه، وذكر مولده، ونشأته، وزواجه، وعددًا من شخصيات عشيرته، وبيت آل شبانة واشتهاره بالعلم، ثم عدّد ثلة من مشايخه وأقرانه ومعاصريه من علماء عشيرته، وأشهر من تلقى عنه العلم، وأوقافه وأملاكه المقيّدة في بعض الوثائق، وعرّج على مكتبته وما وُجد بخطه، ثمّ وصف مجموعه الفقهي، وذكر مميزاته ومن اطلع عليه من العلماء، والأعمال التي تولاها، مثل الإفتاء، وكتابة الوثائق، والإمامة، والتدريس، وغيرها، واختتم بذكر معاصريه الذين وافق اسمه أسماءهم، وما عقبه من الأبناء.
تلا ذلك بحث بعنوان (نسخة فقيه نجد العلامة محمد بن أحمد بن إسماعيل (ت. ١٠٥٩هـ) لكتاب المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل)، وهو من إعداد الدكتور عبدالرحمن بن علي العسكر، والذي قدم دراسة لإحدى نسخ كتاب المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، وإبراز ميزاتها وجوانب نفاستها، من حيث كونها نسخة تامة غير مخرومة، مرتبة الصفحات، وموثقة النسبة بخط أحد فقهاء وسط الجزيرة العربية وهو الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل، ومؤرخة بسنة ٩٩٦ هـ، كما أنها مضبوطة بالشكل، ومقابلة على عدة نسخ خطية، ومنقولة عن نسخة مقروءة على مؤلفها من أحد أخص تلاميذه، ممن أذن له في إصلاح ما يراه في الكتاب، وقد أبرزت الدراسة القوة العلمية للشيخ محمد بن إسماعيل من خلال ضبطه بعض الكلمات التي تتغير حركتها أو حركة بعض حروفها، وتنويعه علامات مقابلة النسخ، مع الإشارة إلى اختلاف النسخ، وتدوينه تقييدات وتعليقات على حواشيها تجاه بعض المواضع المشكلة فيها، موظفًا مكنته الفقهية واطلاعه العلمي.
وتتواصل بحوث المجلة ببحث عنوانه (رسالتان في التمر المعجون يكال أم يوزن؟ وحكم بيعه باللحم نسيئة حمد بن عطوة التميمي ٩٤٨هـ / ١٥٤١هـ)، وهو من تأليف الأستاذ سعد بن محمد آل عبداللطيف، والبحث عبارة عن دراسة وتحقيق لرسالتين مخطوطتين ألفهما الشيخ أحمد بن عطوة الحنبلي في نازلة فقهية تتعلق بالمعاملات، أثارت جدلاً حادًا وتوترًا في الأوساط العلمية أشارت إليه بعض مصادر التاريخ المحلي في وسط الجزيرة العربية في مطلع القرن العاشر الهجري بين الشيخ ابن عطوة ومن أيّده من جهة، ومعارضيه من جهة أخرى، مثل الشيخين أحمد الشويكي وعبد الله بن رحمة، ودفع ذلك الشيخ ابن عطوة إلى استكتاب علماء وسط وغرب الجزيرة العربية لتأييده والتذييل على ردوده، وتبرز الرسالتان بعض المعلومات التاريخية المتعلقة بوسط الجزيرة العربية، وتواصل مؤلفهما مع علماء عصره على اختلاف بلدانهم ومذاهبهم الفقهية، وأنّ ثمة فريقًا ثالثًا حاول تهدئة الخلاف والنزاع بالجمع بين القولين مثل فتوى الفقيه الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي المتوفى في ٩٦٨هـ.
آما آخر بحوث العدد فقد جاء بعنوان (إجازة العز بن فهد الهاشمي المكي ٨٥٠-٩٢٢هـ للبرهان العمادي الحلبي بعد ٨٨٠-٩٥٤هـ )، للباحث أيوب بن جيلالي هديمي، والذي سعى في دراسته إلى تجلية صورة من صور الصّلات العلمية بين علماء الحرمين الشريفين ونظرائهم القادمين من الأقطار الإسلامية، وكيف كانوا يشغلون الأوقات في موسم الحج بالعلم والتعليم، فتتناول إجازة مخطوطة يُنشر نصها لأول مرة للحافظ المؤرخ عز الدين ابن فهد الهاشمي المكي الشافعي المتوفى سنة ٩٢٢هـ، كتبها بخطه لبرهان الدين العمادي الحلبي الشافعي المتوفى سنة ٩٥٤هـ، والذي استجازه بمروياته في موسم حج سنة ٩١٥هـ، وصدرت الدراسة بسياق ترجمتين مختصرتين للمجيز والمجاز، وبيان مضمون إجازة العز بن فهد ومرتبتها، ووصف النسخة الخطّية، ثم سياق نص الإجازة كاملاً مع ضبط بعض الألفاظ بالشكل، والتعليق على مواضع منها بالترجمة للأعلام الواردين في الأسانيد ولغيرهم من مصادر التراجم المعتمدة، وشرح بعض العبارات والمصطلحات، وبيان المواضع المشكلة، ونحو ذلك مما يقتضيه المقام.
ينتقل العدد إلى باب التقارير حيث يبدأ بتقرير عنوانه (جهود دارة الملك عبد العزيز في جمع المخطوطات وتحقيقها ونشرها)، للأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع، حيث نوه التقرير بجهود الدارة في جمع الوثائق والمخطوطات المحلية، والعناية بها، وتحقيقها، ونشرها، من خلال الإدارات والمراكز التابعة لها، ومنها: مركز المخطوطات المحلية، ومركز الملك سلمان بن عبد العزيز للترميم والمحافظة على المواد التاريخية، والإدارة العامة للبحوث والنشر، ومجلة الدارة، والمراكز التابعة للدارة في مناطق المملكة العربية السعودية ومحافظاتها، ويستعرض التقرير جملة من المشروعات العلمية التي تقوم عليها الدارة، وعددًا من الدورات التخصصية في مجال ترميم الوثائق والمخطوطات وتعقيمها وتجليدها، وفي كشف التزوير في الوثائق والمخطوطات، إضافة إلى تكليفها ثُلّة من المحققين القادرين على تحقيق المخطوطات وفق المنهج العلمي السليم، بما نتج عنه إخراج جملة من المصادر المهمة خدمة لتاريخ المملكة العربية السعودية بصفة خاصة وتاريخ الجزيرة العربية بعامة، ونشرها عددًا من البحوث في مجلة الدارة تعريفا بتلك المصادر أو مراجعة لتحقيقاتها.
يعرض العدد بعد ذلك تقريرًا من إنشاء الدكتور محمد بن سيد الشنقيطي بعنوان (نقل مكتبة الملك عبد العزيز والمكتبات الوقفية إلى المقر المؤقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، حيث يشرح هذا التقرير الترتيبات التي جرت لنقل محتويات مكتبة الملك عبد العزيز والمكتبات الوقفية والمقتنيات الأثرية التي تحويها إلى المقرّ المؤقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قبل استقرارها النهائي في مجمّع الملك عبد العزيز للمكتبات الوقفية، وتشمل تلك المقتنيات الكتب، والمخطوطات، واللوحات الخطية، والتحف التاريخية النادرة، ويسرد ما صاحب عملية النقل تلك من توجيهات لسمو أمير منطقة المدينة المنورة، ومن جهودٍ اضطلعت بها الجهات التي تولت المهمة، أو نظمتها، أو شاركت في نجاحها، ومنها دارة الملك عبد العزيز، ويبيّن كذلك ما رافقها من أعمال فنية متخصصة للعناية بتلك المحتويات مثل: الترقيم، والتعقيم، والجرد، والتغليف المتخصص، إضافةً إلى تجهيز المقرّ المؤقت الذي ستنقل إليه، من النواحي الإنشائية، والفنية، ونظم التكييف، والمراقبة والسلامة، من أجل إتمام النقل الآمن للمقتنيات.
ويختتم العدد بحوثه وتقاريره بتقرير عنوانه (تحقيق تاريخ الطبري، لماذا؟)، للأستاذ الدكتور بشار عواد معروف العبيدي، والتقرير عبارة عن دراسة نقدية لإحدى طبعات تاريخ الطبري، وهي الطبعة المصرية التي هي من تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وظهر أول مجلداتها سنة ١٩٦٠م، وتبين أن محققها أعاد طبع الطبعة الأوربية التي حققها بعض المستشرقين سنة ۱۸۹۰م بأخطائها وعيوبها، فتابع هؤلاء المستشرقين في جميع ما وقعوا فيه من الأخطاء في تصحيف الأسماء، والأنساب، أو تحريفها، وفي القراءات الفاسدة، والأخطاء المستبشعة في الأسانيد، وما وقع لهم من الدقة بسبب عدم في المقابلة، ونحو ذلك من التحريفات والضبط الغريب، وقد اقتصر البحث على نماذج مما ورد في قطعة من المجلد الثالث من هذه الطبعة المصرية ليكون أنموذجًا لبقيته، ومن هنا اتضح مسيس الحاجة إلى إعادة تحقيق هذا الكتاب الجليل، ولذا عهدت دارة الملك عبد العزيز إلى الباحث للقيام بهذه المهمة.